Skip to main content

“أوركسترا الفالس العربي الافريقي”: موسيقى تتجاوز الحدود وتجمع الشعوب في المسرح الأثري بدقة

من المسرح الأثري بدقة عبق التاريخ وتعاقب الحضارات، حلّقت “أوركسترا الفالس العربي الإفريقي” النمساوية فوق الحدود لتنشد الحبّ والسلام، ضمن فعاليات الدورة 49 لمهرجان دقة الدولي (28 جوان – 8 جويلية 2025).

هذا العرض الذي أقيم في سهرة الجمعة 4 جويلية، يتنزل أيضا ضمن الاحتفاء بمرور ثلاثة قرون على العلاقات الدبلوماسية بين تونس والنمسا. وقد اختارت الفرقة الموسيقية النمساوية بهذه المناسبة التغني بقرطاج في أغنية حملت عنوان “تحيا قرطاج” وتردد صداها على مدرجات المسرح وسط تحية من الجمهور للمجموعة الموسيقية التي قدمت عرضا متفردا تجلت فيه بوضوح رسالتها أن لا حدود للحب وأن ولا حواجز جغرافية أمام الفن.

وولدت هذه الأوركسترا من مزاوجة بارعة بين الفالس النمساوي و”هارمونياته” الراقية وبين الإيقاعات الإفريقية النابضة بالحياة والمقامات العربية المشبَعة بالشجن. فجاءت موسيقى تأبى الانغلاق وتحتفي بالاختلاف وتبني جسورا بين فيينا وتونس وداكار ودمشق.

يقود الفرقة الموسيقية الملحن والعازف النمساوي “هارالد هوبر” بمشاركة فنّانين من سوريا والنمسا وتشيكيا والسنغال، إضافة إلى العازف التونسي حبيب صمندي (إيقاع)، الذي يضفي بلمساته بصمة محلّية تنصهر في هذا المزيج الكوني للأوركسترا.

وأدهش برنامج الحفل الجمهور بالانتقال السلس من مقطوعات “صن را” الكونية إلى أعمال “جان لوك بونتي” المعاصرة، مرورا بلمحات من تراث فريد الأطرش ورامز جبر. غير أن الذروة العاطفية للحفل تجلّت حين صدحت حنجرة باسمة جبر بأغنية عرضوني زوز صبايا” للفنانة التونسية صليحة، إذ أعادت الأوركسترا توزيعها بروح نمساوية تُجاور الإيقاعات الإفريقية، فدوّى التصفيق من المدرجات كأن التاريخ نفسه يشهد على إبداع الحاضر.

وجاءت موسيقى “أوركسترا الفالس العربي الإفريقي” جامعة بين ثقافات متنوعة، فكانت لحظات الانسجام بين طبلة السنغالي “إيبو با” وكمان النمساوي “أندرياس شرايبر” وبين صوت الشام ومقام المالوف إمتاعا للجمهور الذي حضر بدوره من جنسيات أوروبية.

وقال قائدالأوركسترا “هارالد هوبر” لوكالة تونس إفريقيا للأنباء إن فكرة المشروع انطلقت من ملاحظة بسيطة مفادها أن الفالس النمساوي يمكن أن يلتقي إيقاعات إفريقية وعربية في ميزان واحد. وأضاف أن للسامع أن يتخيل حين تعزف الفرقة على الآلات الوترية الفالس ويرافقها الإيقاع الإفريقي، يتولّد تناغم يفتح المجال لتأليف جديد ومختلف. وتابع حديثه: “استنادا إلى هذه الفكرة ألّفت مقطوعات عديدة وأدرجنا في برنامجنا ألحانا شعبية نمساوية إلى جانب أغان متداولة في تونس والمغرب والعالم العربي مع نفحاتٍ من غرب إفريقيا يقدّمها عازف الإيقاع السنغالي في الفرقة”.

وأكد أن الموسيقى بلا حدود جغرافية، قائلا: “قد تجمعنا ثقافات متباعدة، لكن الألحان قادرة دوما على مدّ الجسور. لذا نصرّ على العمل المشترك بوصفه رسالة صداقة ونموذجا لما يمكن أن يتحقّق عندما تتكاتف الشعوب”.

وعن عرضه في المسرح الأثري بدقة، أفاد “هارالد هوبر” أنه لم يسبق له أن عزف على ركح بهذه الروعة، مضيفا: “دقة فضاء تاريخي منح عزفنا بعدا خاصّا وأشكر إدارة المهرجان وسفارة النمسا بتونس التي دعمت حضورنا وكان النجاح لافتا”.

وعن علاقته بتونس ذكر أن هذه الزيارة ليست الأولى له، فقد جاء سنة 2009 لحضور المنتدى العالمي للموسيقى، “ومنذ خمسة عشر عاما تربطني صداقة بالموسيقي التونسي حبيب صمندي الذي عرّفني إلى أنغام المالوف والأغنية التونسية وتعلمت منه الكثير وما زلت شغوفا بالموسيقى العربية”.

وختم حديثه بالتأكيد على أن هذا اللقاء مع الجمهور على مسرح دقة الأثري يؤكد مرة أخرى أن الفن قادر على جمع القلوب ورسم ملامح سلام عالمي تكتب ألحانه من الشرق والغرب معا.

بث مباشر SEYAHA FM 102.3 يبث الآن