
الكاتب
الدكتور صالح ارشيدات
وصف ارشيدات تدخل الولايات المتحدة الامريكية في الحرب الاسرائيلية الايرانية بانها نوع من نوع الدبلوماسية المخادعة
يشهد الشرق الأوسط لحظة فارقة تُعيد تشكيل المعادلات الاستراتيجية، مع تصاعد غير مسبوق بين إسرائيل وإيران، واصطفاف أميركي يبدو مترددًا بين تأييد مطلق وتريّث محسوب. هذا المقال يمثل قراءة تحليلية معمقة لما تضمنته تصريحات الرئيس ترامب الصادرة بتاريخ 20يونيو 2025، التي سلّطت الضوء على خفايا التصعيد الدائر، ووضعت تصريحات دونالد ترامب في إطارها الجيوسياسي، لتقدّم فهماً أدق لأبعاد النزاع وتداعياته على مستقبل الإقليم
وعن معركة “الأسد الصاعد يقول الرشيدات
منذ انطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق ضد إيران، المعروفة باسم “الأسد الصاعد”، في 13 يونيو الجاري، دخلت المنطقة مرحلة من الغليان الاستراتيجي. الضربات شملت منشآت نووية، وقواعد صاروخية، واغتيالات لعناصر بارزة في الحرس الثوري، وعلماء نوويين إيرانيين. لم يتأخر الرد الإيراني، إذ جاءت عملية “الوعد الصادق-3” كسلسلة من الهجمات الصاروخية والمسيّرة، اخترقت المجال الإسرائيلي وأوقعت خسائر جسيمة، لتُعلن بذلك الدخول في صراع مفتوح.
لكن المفاجأة الكبرى لم تكن فقط في تبادل الضربات، بل في موقع الولايات المتحدة من هذه المواجهة، حيث برزت تصريحات ترامب، بصفته رئيسا وحليفا لاسرائيل ، كعنصر ضغط محوري له ثقله في ميزان النزاع، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الأميركية النصفية.
وعن تصريحات ترامب يقول الرشيدات
في مؤتمر صحفي عقده يوم 20 يونيو 2025، أدلى دونالد ترامب بجملة من التصريحات التي بدت للوهلة الأولى عشوائية، لكنها عند تحليلها تكشف عن استراتيجية أميركية مرنة، تتجنب التدخل المباشر دون أن تتخلى عن دعم إسرائيل:
1.“إسرائيل تبلي حسنًا، وإيران تعاني”: يشير ذلك إلى قبول غير مباشر بالعمليات الإسرائيلية، بل وربما تشجيع لها، ما يعكس توافقاً ضمنيًا مع أهداف تل أبيب.
2.“ربما أدعم وقف إطلاق النار”: دون تعهد أو شروط، مما يؤكد أن التهدئة ليست أولوية ما دامت إسرائيل تحقق تقدماً عسكريًا، وأن دعم الحلول السياسية مشروط بميزان ميداني مائل لصالح الحليف الإسرائيلي.
3.“من الصعب مطالبة إسرائيل بوقف الهجوم”: هذه العبارة تعبّر عن تماهٍ مع المنطق الإسرائيلي، بأن وقف العمليات الآن قد يُفسّر كخدمة للخصم، وهو ما يتنافى مع رؤية ترامب للأمن القومي الأميركي.
4.“أسبوعان هو الحد الأقصى لاتخاذ القرار”: وهنا يظهر التهديد المبطن باستخدام القوة، في حال فشل المسار الدبلوماسي، وهو مؤشر واضح على اقتراب لحظة الحسم الأميركي.
5.“الإيرانيون يفضلون التفاوض معنا وليس مع الأوروبيين”: رسالة موجهة لطهران والغرب على حد سواء، تؤكد أن واشنطن هي الطرف الوحيد القادر على تحقيق اختراق تفاوضي، وتهمّش أي دور أوروبي.
6.“مديرة الاستخبارات الأميركية مخطئة بشأن إيران”: انقلاب صريح على التقييم الرسمي لأجهزة الاستخبارات، ما يتيح لترامب تبني موقف متشدد يرى في إيران تهديدًا نوويًا فعليًا، وليس مجرد احتمال نظري.
وعن الاهداف الاسرائيلية يضيف الرشيدات
كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، أبرزها من القناة 13، عن الأهداف الأربعة التي حددها الكابينيت الإسرائيلي للحرب:
•تدمير البرنامج النووي الإيراني.
•تحجيم البرنامج الصاروخي.
•إضعاف “المحور الشيعي” الإقليمي.
•فتح الباب لاتفاق دبلوماسي لاحق، دون السعي لإسقاط النظام.
اللافت هنا أن تغيير النظام الإيراني لم يكن ضمن الأهداف، ما يعكس إدراكًا إسرائيليًا بأن إسقاط الدولة قد يؤدي إلى فوضى مشابهة لما جرى في ليبيا أو العراق. هذا التوجّه ينسجم مع أحد أبرز هواجس ترامب، الذي عبّر عن مخاوفه من تحول إيران إلى “ليبيا جديدة” إذا سقط نظامها فجأة.
وتطرق الرشيدات الى الاجراءات الاحترازية الامريكية و القلق الدولي حيث قال
على المستوى العملياتي، اتخذ الجيش الأميركي سلسلة من الإجراءات الاحترازية:
•نقل الطائرات من قاعدة العديد في قطر.
•إرسال مدمرات بحرية إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر.
•تجهيز وحدات طبية وإمدادات دم تحسبًا لأي طارئ.
•اقتراب حاملة الطائرات “نيميتز” من مسرح العمليات.
بالتوازي، سحبت دول غربية مثل بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا بعثاتها الدبلوماسية من طهران، وأصدرت تحذيرات صارمة لمواطنيها. هذه التطورات تعكس حالة من الاستنفار الدولي تحسبًا لانزلاق الوضع إلى حرب إقليمية شاملة.
ولم ينسى الرشيدات الدبلوماسية الامريكية في مقاله حيث اشار الى انه
ورغم التصعيد، لم تُغلق أبواب الدبلوماسية بالكامل. المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أشارت إلى “تفاؤل حذر” بإمكانية التوصل إلى اتفاق، إلا أن هذا التفاؤل يصطدم بواقع عسكري متأزم، وبمفاوضات أوروبية لم تحقق أي اختراق.
النافذة الوحيدة المتاحة تبدو مشروطة بتنازلات إيرانية واضحة، ومباشرة عبر القناة الأميركية، دون وساطات أوروبية. لكن ما يزيد الموقف تعقيدًا هو أن كل يوم يمضي دون تقدم سياسي، يعني مزيدًا من الانخراط العسكري، وتقلصًا سريعًا لهامش الحلول الدبلوماسية.
ويختم الرشيدات
ما نعيشه اليوم ليس مجرد نزاع عسكري جديد بين دولتين متخاصمتين، بل هو اختبار صارخ لقدرة النظام الدولي على احتواء أزمات كبرى دون السقوط في الحرب الشاملة. إسرائيل تقاتل ضمن استراتيجية واضحة لتدمير قدرات إيران الردعية، دون الانزلاق إلى احتلال أو تغيير النظام. طهران تردّ ضمن حدود محسوبة، لكنها تحتفظ بحق التصعيد. أما واشنطن، فتلعب لعبة التوازن بين الحلفاء والانتخابات والمصالح الدولية.
الرئيس ترامب، في لحظة ربما تكون الأهم في مستقبله السياسي، يجد نفسه أمام مفترق طرق: إما أن يكون رجل المرحلة الدبلوماسية الذي ينزع فتيل الحرب من خلال تسوية تاريخية، أو أن يُصبح القائد الذي فتح جبهة جديدة قد تعيد عقارب الشرق الأوسط إلى الوراء لعقود.
كل المؤشرات تشير إلى أن الأسبوعين المقبلين سيكونان حاسمين في تقرير مصير المنطقة، وربما مصير النظام الدولي برمّته.